فصل: قال الشنقيطي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشنقيطي:

وقوله في هذه الآية: {وَقُلْ رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشياطين}.
الهمزات: جمع همزة وهي المرة من فعل الهمز، وهو في اللغة: النخس والدفع، وهمزات الشياطين: نخساتهم لبني آدم ليحثوهم، ويحضوهم على المعاصي، كما أوضحنا الكلام عليه في قوله تعالى: {أَنَّآ أَرْسَلْنَا الشياطين عَلَى الكافرين تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} [مريم: 83] وكقوله تعالى: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرحمن نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السبيل} [الزخرف: 36-37] الآية.
والظاهر في قوله: {وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ} أن المعنى: أعوذ بك أن يحضرني الشيطان في أمر من أموري كائنًا ما كان، سواء كان ذلك وقت تلاوة القرآن، كما قال تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ القرآن فاستعذ بالله مِنَ الشيطان الرجيم} [النحل: 98] أو عند حضور الموت أو غير ذلك من جميع الشؤون في جميع الأوقات. والعلم عند الله تعالى.
قوله تعالى: {حتى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الموت قَالَ رَبِّ ارجعون لعلي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ}.
الظاهر عندي: أن حتى في هذه الآية: هي التي يبتدأ بعدها الكلام، ويقال لها: حرف ابتداء، كما قاله ابن عطية، خلافًا للزمخشري القائل: إنها غاية لقوله: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ} [المؤمنون: 96] ولأبي حيان القائل: إن الظاهر له أن قبلها جملة محذوفة هي غاية له يدل عليها ما قبلها، وقدر الجملة المذكورة بقوله فلا أكون كالكفار الذين تهزمهم الشياطين ويحضرونهم، حتى إذا جاء أحدهم الموت قال: رب ارجعون. ونظير حذف هذه الجملة قول الشاعر وهو الفرزدق:
فواعجبا حتى كليب تسبني ** كأن أباها نهشل أو مجاشع

قال: المعنى: يسبني الناس حتى كليب، فدل ما بعد حتى على الجملة المحذوفة. وفي الآية دل ما قبلها عليها. انتهى الغرض من كلام أبي حيان، ولا يظهر عندي كل الظهور.
بل الأظهر عندي: هو ما قدمتها وهو قول ابن عطية، وما تضمنته هذه الآية الكريمة، من أن الكافر والمفرط في عمل الخير إذا حضر أحدهما الموت طلبا الرجعة إلى الحياة، ليعملا العمل الصالح الذي يدخلهما الجنة، ويتداركا به ما سلف منهما من الكفر والتفريط وأنهما لا يجابان لذلك، كما دل عليه حرف الزجر والردع الذي هو كلا جاء موضحًا في مواضع أخر كقوله تعالى: {وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقْنَاكُمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الموت فَيَقُولُ رَبِّ لولا أخرتني إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصالحين وَلَن يُؤَخِّرَ الله نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَآ} [المنافقون: 10-11] الآية. وقوله تعالى: {وَأَنذِرِ الناس يَوْمَ يَأْتِيهِمُ العذاب فَيَقُولُ الذين ظلموا رَبَّنَآ أَخِّرْنَآ إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرسل أَوَلَمْ تكونوا أَقْسَمْتُمْ مِّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مِّن زَوَالٍ} [إبراهيم: 44] إلى غير ذلك من الآيات، وكما أنهم يطلبون الرجعة عند حضور الموت، ليصلحوا أعمالهم فإنهم يطلبون ذلك يوم القيامة ومعلوم أنهم لا يجابون إلى ذلك.
ومن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الذين نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بالحق فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُواْ لَنَآ أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الذي كُنَّا نَعْمَلُ} [الأعراف: 53] وقوله تعالى: {وَلَوْ ترى إِذِ المجرمون نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فارجعنا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ} [السجدة: 12] وقوله تعالى: {وَلَوْ ترى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النار فَقَالُواْ ياليتنا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ المؤمنين بَلْ بَدَا لَهُمْ مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الأنعام: 27-28] وقوله تعالى: {قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا اثنتين وَأَحْيَيْتَنَا اثنتين فاعترفنا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إلى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ} [غافر: 11] وقوله تعالى: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الذي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النذير فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ}.
[فاطر: 37] وقوله تعالى: {وَلَوْ ترى إِذْ فَزِعُواْ فَلاَ فَوْتَ وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ وقالوا آمَنَّا بِهِ وأنى لَهُمُ التناوش مِن مَّكَانِ بَعِيدٍ وَقَدْ كَفَرُواْ بِهِ مِن قَبْلُ} [سبأ: 51-53] الآية. وقد تضمنت هذه الآيات التي ذكرنا، وأمثالها في القرآن: أنهم يسألون الرجعة فلا يجابون عند حضور الموت، ويوم النشور ووقت عرضهم على الله تعالى، ووقت عرضهم على النار.
وفي هذه الآية الكريمة سؤال معروف: وهو أن يقال: ما وجه صيغة الجمع في قوله: {رَبِّ ارجعون} ولم يقل: رب ارجعني بالإفراد.
وقد أوضحنا الجواب عن هذا في كتابنا: دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب، وبيَّنَّا أنه يجاب عنه من ثلاثة أوجه:
الاول: وهو أظهرها: أن صيغة الجمع في قوله: {ارجعون} لتعظيم المخاطب وذلك النادم السائل الرجعة يظهر في ذلك الوقت تعظيمه ربه، ونظير ذلك من كلام العرب قول الشاعر حسان بن ثابت أو غيره:
ألا فارحموني يا إله محمد ** فإن لم أكن أهلًا فأنت له أهل

وقول الآخر يخاطب امرأة:
وإن شئت حرمت النساء سواكم ** وإن شئت لم أطعم نقاخا ولا بردا

والنقاخ الماء البارد والبرد: النوم، وقيل: ضد الحر. والأول أظهر.
الوجه الثاني: قوله: {رب} استغاثة به تعالى، وقوله: {ارجعون}: خطاب للملائكة، ويستأنس لهذا الوجه بما ذكره ابن جرير، عن ابن جريج قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة: «إذا عاين المؤمن الملائكة قالوا نرجعك إلى دار الدنيا فيقول: إلى دار الهموم والأحزان، فيقول: بل قدموني إلى الله وأما الكافر فيقولون له: نرجعك؟ فيقول: رب ارجعون».
الوجه الثالث: وهو قول المازني: إنه جمع الضمير ليدل على التكرار فكأنه قال: رب ارجعني ارجعني ارجعني، ولا يخفى بعد هذا القول كما ترى. والعلم عند الله تعالى.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة {لعلي أَعْمَلُ صَالِحًا} [المؤمنون: 100] الظاهر أن لعل فيه التعليل: أي ارجعون، لأجل أن أعمل صالحًا، وقيل: هي للترجي والتوقع، لأنه غير جازم، بأنه إذا رد للدنيا عمل صالحًا، والأول أظهر، والعمل الصالح يشمل جميع الأعمال من الشهادتين والحج الذي كان قد فرط فيه والصلوات والزكاة ونحو ذلك. والعلم عند الله تعالى. وقوله: {كلا}: كلمة زجر: وهي دالة على أن الرجعة التي طلبها لا يعطاها كما هو واضح. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97)}.
الظاهر أن يكون المعطوف مواليًا للمعطوف هو عليه، فيكون قوله: {وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين} متصلًا بقوله: {ادفع بالتي هي أحسن السيئة} [المؤمنون: 96] فلما أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يفوض جزاءهم إلى ربه أمره بالتعوذ من حيلولة الشياطين دون الدفع بالتي هي أحسن، أي التعوذ من تحريك الشيطان داعية الغضب والانتقام في نفس النبي صلى الله عليه وسلم فيكون {الشياطين} مستعملًا في حقيقته.
والمراد من همزات الشياطين: تصرفاتهم بتحريك القوى التي في نفس الإنسان أي في غير أمور التبليغ مثل تحريك القوة الغضبية كما تأول الغزالي في قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث «ولكن الله أعانني عليه فأسْلم».
ويكون أمر الله تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام بالتعوذ من همزات الشياطين مقتضيًا تكفل الله تعالى بالاستجابة كما في قوله تعالى: {ربنا ولا تحمل علينا إصرًا كما حملته على الذين من قبلنا} [البقرة: 286]، أو يكون أمره بالتعوذ من همزات الشياطين مرادًا به الاستمرار على السلامة منهم.
قال في «الشفاء»: الأمة مجتمعة أي مجمعة على عصمة النبي صلى الله عليه وسلم من الشيطان لا في جسمه بأنواع الأذى، ولا على خاطره بالوساوس.
ويجوز أن تكون جملة {وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين} عطفًا على جملة {قل رب إما تريني ما يوعدون} [المؤمنون: 93] بأن أمره الله بأن يلجأ إليه بطلب الوقاية من المشركين وأذاهم، فيكون المراد من الشياطين المشركين فإنهم شياطين الإنس كما قال تعالى: {وكذلك جعلنا لكل نبيء عدوًا شياطين الإنس والجن} [الأنعام: 112] ويكون هذا في معنى قوله: {قل أعوذ برب الناس} إلى قوله: {الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس} [الناس: 1 6] فيكون المراد: أعوذ بك من همزات القوم الظالمين أو من همزات الشياطين منهم.
والهمز حقيقته: الضغط باليد والطعن بالإصبع ونحوه، ويستعمل مجازًا بمعنى الأذى بالقول أو بالإشارة، ومنه قوله تعالى: {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بنميم} [القلم: 11] وقوله: {ويل لكل هُمزة لمزة} [الهمزة: 1].
ومحمله هنا عندي على المعنى المجازي على كلا الوجهين في المراد من الشياطين.
وهمز شياطين الجن ظاهر، وأما همز شياطين الإنس فقد كان من أذى المشركين النبي صلى الله عليه وسلم لمزه والتغامز عليه والكيد له.
ومعنى التعوذ من همزهم: التعوذ من آثار ذلك.
فإن من ذلك أن يغمزوا بعض سفهائهم إغراء لهم بأذاه، كما وقع في قصة إغرائهم من أتى بسلا جزور فألقاه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في صلاته حول الكعبة.
وهذا الوجه في تفسير الشياطين هو الأليق بالغاية في قوله: {حتى إذا جاء أحدهم الموت} [المؤمنون: 99] كما سيأتي.
وأما قوله: {وأعوذ بك رب أن يحضرون} فهو تعوذ من قربهم لأنهم إذا اقتربوا منه لحقه أذاهم.
{حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99)}.
{حتى} ابتدائية وقد علمت مفادها غير مرة، وتقدمت في سورة الأنبياء.
ولا تفيد أن مضمون ما قبلها مُغيّا بها فلا حاجة إلى تعليق حتى بـ {يصفون} [المؤمنون: 91].
والوجه أن حتى متصلة بقوله: {وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون} [المؤمنون: 95].
فهذا انتقال إلى وصف ما يلقون من العذاب في الآخرة بعد أن ذكر عذابهم في الدنيا فيكون قوله هنا {حتى إذا جاء أحدهم الموت} وصفًا أُنُفا لعذابهم في الآخرة.
وهو الذي رجحنا به أن يكون ما سبق ذكره من العذاب ثلاث مرات عذابًا في الدنيا لا في الآخرة.
فإن حملتَ العذاب السابق الذكر على عذاب الآخرة كان ذلك إجمالًا وكان قوله: {حتى إذا جاء أحدهم الموت} إلى آخره تفصيلًا له.
وضمائر الغيبة عائدة إلى ما عادت عليه الضمائر السابقة من قوله: {قالوا أإذا متنا وكنا ترابًا وعظامًا أإنا لمبعوثون} [المؤمنون: 82] إلى ما هنا وليست عايدة إلى الشياطين.
ولقصد إدماج التهديد بما سيشاهدون من عذاب أعدّ لهم فيندمون على تفريطهم في مدة حياتهم.
وضمير الجمع في {ارجعون} تعظيم للمخاطب.
والخطاب بصيغة الجمع لقصد التعظيم طريقة عربية، وهو يلزم صيغة التذكير فيقال في خطاب المرأة إذا قصد تعظيمها: أنتم. ولا يقال: أنتن. قال العرجي:
فإن شئتتِ حرَّمتُ النساء سواكم ** وإن شئتتِ لم أطعم نُقاخًا ولا بردا

فقال: سواكم، وقال جعفر بن علبة الحارثي من شعراء الحماسة:
فلا تحسبي أني تخشعت بعدكم ** لشيء ولا أني من الموت أفرق

فقال: بعدكم، وقد حصل لي هذا باستقراء كلامهم ولم أر من وقَّف عليه.
وجملة الترجي في موضع العلة لمضمون {ارجعون}.
والترك هنا مستعمل في حقيقته وهو معنى التخلية والمفارقة.
وما صدق {ما تركت} عالم الدنيا.
ويجوز أن يراد بالترك معناه المجازي وهو الإعراض والرفض، على أن يكون ما صدق الموصول الإيمان بالله وتصديق رسوله، فذلك هو الذي رفضه كل من يموت على الكفر، فالمعنى: لعلي أسلم وأعمل صالحًا في حالة إسلامي الذي كنت رفضته، فاشتمل هذا المعنى على وعد بالامتثال واعتراف بالخطأ فيما سلف. ورُكب بهذا النظم الموجز قضاءً لحق البلاغة.
و{كلاّ} ردع للسامع ليعلم إبطال طلبة الكافر.
وقوله: {إنها كلمة هو قائلها} تركيب يجري مجرى المثل وهو من مبتكرات القرآن.
وحاصل معناه: أن قول المشرك {رب ارجعون} إلخ لا يتجاوز أن يكون كلامًا صدر من لسانه لا جدوى له فيه، أي لا يستجاب طلبه به.
فجملة {هو قائلها} وصف لـ {كلمة}، أي هي كلمة هذا وصفها.
وإذ كان من المحقق أنه قائلها لم يكن في وصف {كلمة} به فائدة جديدة فتعين أن يكون الخبر مستعملًا في معنى أنه لا وصف لكلمته غير كونها صدرت من في صاحبها.
وبذلك يعلم أن التأكيد بحرف إن لتحقيق المعنى الذي استعمل له الوصف.
والكلمة هنا مستعمل في الكلام كقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل»

وكما في قولهم: كلمة الشهادة وكلمة الإسلام.
وتقدم قوله تعالى: {ولقد قالوا كلمة الكفر} في سورة براءة (74).
والوراء هنا مستعار للشيء الذي يصيب المرء لا محالة ويناله وهو لا يظنه يصيبه.
شبه ذلك بالذي يريد اللحاق بالسائر فهو لاحقه، وهذا كقوله تعالى: {والله من ورائهم محيط} [البروج: 20] وقوله: {ومن ورائهم جهنم} [الجاثية: 10] وقوله: {من ورائهم عذاب غليظ} [إبراهيم: 17].
وتقدم قوله: {وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبًا} [الكهف: 79].
وقال لبيد:
أليس ورائي أن تراخت منيتي ** لزوم العصا تُحنى عليها الأصابع

والبرزخ: الحاجز بين مكانين.
قيل: المراد به في هذه الآية القبر، وقيل: هو بقاء مدة الدنيا، وقيل: هو عالم بين الدنيا والآخرة تستقر فيه الأرواح فتكاشف على مقرها المستقبل، وإلى هذا مال الصوفية.
وقال السيد في التعريفات: البرزخ العالم المشهود بين عالم المعاني المجردة وعالم الأجسام المادية، أعني الدنيا والآخرة ويعبر به عن عالم المثال. اهـ. أي عند الفلاسفة القدماء.
ومعنى {إلى يوم يبعثون} أنهم غير راجعين إلى الحياة إلى يوم البعث.
فهي إقناط لهم لأنهم يعلمون أن يوم البعث الذي وُعدوه لا رجوع بعده إلى الدنيا فالذي قال لهم {إلى يوم يبعثون} هو الذي أعلمهم بما هو البعث. اهـ.